فصل: تفسير الآية رقم (175):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}.
إذا سُدَّت عيونُ البصائر فما ينفع وضوح الحُجَّة. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة: قالوا: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية} أي عن أهل قرية الجسد وهم الروح والقلب والنفس الأمارة وتوابعها {التى كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر} أي مشرفة على شاطئ بحر البشرية {إِذْ يَعْدُونَ في السبت} يتجاوزون حدود الله تعالى يوم يحرم عليهم تناول بعض الملاذ النفسانية والعادي من أولئك الأهل إنما هو النفس الأمارة فإنها في مواسم الطاعات والكف عن الشهوات كشهر رمضان مثلًا حريصة على تناول ما نهيت عنه والمرء حريص على ما منع {إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ} وهي الأمور التي نهوا عن تناولها {يَوْمَ سَبْتِهِمْ} الذي أمروا بتعظيمه شرعًا قريبة المأخذ {وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ} بأن لا يتهيأ لهم ما يريدونه {كذلك نَبْلُوهُم} نعاملهم معاملة من يختبرهم {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 163] أي بسبب فسقهم المستمر طبعًا.
قال بعضهم: ما كان ما قص الله تعالى إلا كحال الإسلاميين من أهل زماننا في اجتماع أنواع الحظوظ النفسانية من المطاعم والمشارب والملاهي والمناكح ظاهرة في الأسواق والمحافل في الأيام المعظمة كالأعياد والأوقات المباركة كأوقات زيارة مشاهد الصالحين المعلومة المشهورة بين الناس {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مّنْهُمْ} وهي القلب وأتباعه للأمة الواعظة وهي الروح وأتباعها {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا} وهم النفس الأمارة وقواها {الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} على {قَالُواْ مَعْذِرَةً إلى ربكم} أي نعظهم معذرة إليه تعالى وذلك أنا خلقنا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكرة فنريد أن نقضي ما علينا ليظهر أنا ما تغيرنا عن أوصافنا {ولعلهم يتقون} [الأعراف: 164] لأنهم قابلون لذلك بحسب الفطرة فلا نيأس من تقواهم {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ} لغلبة الشقوة عليهم {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء} وهم الروح والقلب واتباعهما فإنهم كلهم نهوا عن ذلك إلا أن بعضهم مل وبعضهم لم يمل {وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} أي شديد وهو عذاب حرمان قبول الفيض {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165] أي بسبب تماديهم على الخروج عن الطاعة {فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ} أي أبوا أن يتركوا ذلك {قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين} [الأعراف: 166] أي جعلنا طباعهم كطباعهم وذلك فوق حرمان قبول الفيض {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} أي اقسم {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة} أي قيامتهم {مَن يَسُومُهُمْ} وهو التجلي الجلالي {سُوء العذاب} [الأعراف: 167] وهو عذاب القهر وذل اتباع الشهوات {وقطعناهم} أي فرقنا بني إسرائيل الروح {فِى الأرض} أي أرض البدن {أُمَمًا} جماعات {مّنْهُمُ الصالحون} أي الكاملون في الصلاح كالعقل {وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك} فيه كالقلب ومن جعل القلب أكمل من العقل عكس الأمر {وبلوناهم بالحسنات والسيئات} تجليات الجمال والجلال {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف: 168] بالفناء إلينا {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} وهي النفس وقواها {وَرِثُواْ الكتاب} وهو ما ألهم الله تعالى العقل والقلب {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الادنى} وهي الشهوات الدنية واللذات الفانية ويجعلون ما ورثوه ذريعة إلى أخذ ذلك {وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا} ولابد لأنا واصلون كاملون وهذا حال كثير من متصوفة زماننا فإنهم يتهافتون على الشهوات تهافت الفراش على النار ويقولون: إن ذلك لا يضرنا لأنا واصلون.
وحكي عن بعضهم أنه يأكل الحرام الصرف ويقول: إن النفي والإثبات يدفع ضرره وهو خطأ فاحش وضلال بين أعاذنا الله تعالى وإياكم من ذلك.
وأعظم منه اعتقاد حل أكل مثل الميتة من غير عذر شرعي لأحدهم ويقول: كل منا بحر والبحر لا ينجس ولا يدري هذا الضال أن من يعتقد ذلك أنجس من الكلب والخنزير.
ومنهم يحكي عن بعض الكاملين المكملين من أهل الله تعالى ما يؤيد به دعواه وهو كذب لا أصل له وحاشا ذلك الكامل مما نسب إليه حاشا {وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} أي إنهم مصرون على هذا الفعل القبيح {أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مّيثَاقُ الكتاب} الوارد فيما ألهمه الله تعالى العقل والقلب {أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق} فكيف عدلوا عنه {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} مما فيه رشادهم {والدار الآخرة} المشتملة على اللذات الروحانية {خير للذن يتقون} [الأعراف: 169] عرض هذا الأدنى {والذين يُمَسّكُونَ بالكتاب} أي يتمسكون بما ألهمه الله تعالى العقل والقلب من الحكم والمعارف {والذين يُمَسّكُونَ} ولم يألوا جهدًا في الطاعة {إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين} [الأعراف: 170] منهم وأجرهم متفاوت حسب تفاوت الصلاح حتى إنه ليصل إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ} وهو جبل الأمر الرباني والقهر الإلهي {كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} غمامة عظيمة {وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ} إن لم يقبلوا أحكام الله سبحانه: {خُذُواْ مَا ءاتيناكم بِقُوَّةٍ} بجد وعزيمة {واذكروا مَا فِيهِ} من الأسرار {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171] تنتظمون في سلك المتقين على اختلاف مراتب تقواهم.
والكلام على قوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ} ربك إلخ من هذا الباب يغني عنه ما ذكرناه خلال تفسيره من كلام أهل الله تعالى قدس الله تعالى أسرارهم خلا أنه ذكر بعضهم أن أول ذرة أجابت ببلى ذرة النبي صلى الله عليه وسلم وكذا هي أول مجيب من الأرض لما خاطب الله سبحانه السموات والأرض بقوله جل وعلا:
{ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] وكانت من تربة الكعبة وهي أول ما خلق من الأرض ومنا دحيت كما جاء عن ابن عباس رض الله تعالى عنهما، وكان يقتضي ذلك أن يكون مدفنه صلى الله عليه وسلم بمكة حيث كانت تربته الشريفة منها، وقد رووا أن المرء يدفن حيث كانت تربته، ولكن قيل: إن الماء لما تموج رمى الزبد إلى النواحي فوقعت درة ذرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يحاذي مدفنه الكريم بالمدينة، ويستفاد من هذا الكلام أنه عليه الصلاة والسلام هو الأصل في التكوين والكائنات تبع له صلى الله عليه وسلم قل: ولكون ذرته أم الخليقة سمي أميًا، وذكر بعضهم أن الباء لكونه أول حرف فتحت الذرة به فمها حين تكلمت لم تزل الأطفال في هذه النشأة ينطقون به في أول أمرهم ولا بدع فكل مولود يولد على الفطرة، قيل: ولعظم ما أودع الله سبحانه وتعالى في الباء من الأسرار افتتح الله تعالى به كتابه بل افتتح كل سورة به لتقدم البسملة المفتتحة به على كل سورة ما عدا التوبة وافتتاحها ببراءة وأول هذه اللفظة الباء أيضًا، ولكون الهمزة وتسمى ألفًا أول حرف قرع أسماعهم في ذلك المشهد كان أول الحروف لكنه لم يظهر في البسملة لسر أشرنا إليه أول الكتاب والله تعالى الهادي إلى صوب الصواب. اهـ.

.تفسير الآية رقم (175):

قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر لهم ما أخذ عليهم في كتابهم من الميثاق الخاص الذي انسلخوا منه، واتبعه الميثاق العام الذي قطع بع الأعذار، أتبعهما بيان ما يعرفونه من حال من انسلخ من الآيات، فأسقطه الله من ديوان السعداء، فأمره صلىلله عليه وسلم أن يتلو عليهم، لأنه- مع الوفاء بتبكيتهم- من أدلة نبوته الموجبة عليهم اتباعه، فذكره ما وقع له في نبذ العهد والانسلاخ من الميثاق بعد أن كان قد أعطى الآيات وأفرغ عليه من الروح فقال: {واتل} أي اقرأ شيئًا بعد شيء {عليهم} أي اليهود وسائر الكفار الخلق كلهم {نبأ الذي} وعظم ما أعطاه بمظهر العظمة ولفظ الإيتاء بعد ما عظم خبره بلفظ الإنباء فقال: {آتيناه}.
ولما كان تعالى قد أعطاه من إجابة الدعاء وصحة الرؤيا وغير ذلك مما شاء سبحانه أمرًا عظيمًا بحيث دله تعالى دلالة لا شك فيها، وكانت الآيات كلها متساوية الأقدام في الدلالة وإن كان بعضها أقوى من بعض، قال تعالى: {آياتنا} وهو بلعام من غير شك للسباق واللحاق، وقيل: وهو رجل بعثه موسى عليه السلام إلى ملك مدين فرشاه فتبع دينه فافتتن به الناس، وقيل: هو أمية بن أبي الصلت الثقفي الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «آمن شعره وكفر قلبه» قاله عبد الله بن عمرو وسعيد بن المسيب وزيد ابن أسلم، وقيل: هو أبو عامر الراهب الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاسق، وقيل: نزلت في منافقي أهل الكتاب كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم فأنكروه.
ولما كان الذي جرأهم على عظمته سبحانه ما أنعم عليهم به من إعطاء الكتاب ظنًا منهم أنه لا يشقيهم بعد ذلك، رهبهم ببيان أن الذي سبب له هذا الشقاء هو إيتاء الآيات فقال: {فانسلخ منها} أي فارقها بالكيلة كما تنسلخ الحية من قشرها، وذلك بسبب أنه لما كان مجاب الدعوة سأله ملك زمانه الدعاء على موسى وقومه فامتنع فلم يزل يرغبه حتى خالف أمر الله اتباعًا لهوى نفسه، فتمكن من الشيطان وأشار عليه أن يرسل إليهم النساء مزينات ويأمرهن أن لا يمتنعن من أحد، فأشقاه الله، وهذا معنى {فأتبعه الشيطان} أي فأدركه مكره فصار قرينًا له {فكان} أي فتسبب عن إدراك الشيطان له أن كان {من الغاوين} أي الضالين الراكبين هوى نفوسهم، وعبر في هذه القصة بقوله: {اتل} دون {وأسألهم عن} [الأعراف: 163] نحو ما مضى في القرية، لأن هذا الخبر مما يحبون ذكره لأن سلخه من الآيات كان لأجلهم، فهو شرف لهم، فلو سألهم عنه لبادروا إلى الإخبار به ولم يتلعثموه فلا تكون تلاوته صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لما أنزل في شأنه واقعًا موقع ما لو أخبرهم به قبل، ولعل المقصود الأعظم من هذه الآية والتي قبلها الاستدلال على كذب دعواهم في قولهم: {سيغفر لنا} [الأعراف: 169] بما هم قائلون به، فيكون من باب الإلزام، وكأنه قيل: أنتم قائلون بأن من أشرك لا يغفر له لتركه ما نصب له من الأدلة حتى إنكم لتقولون {ليس علينا في الأميين سبيل} [آل عمران: 75] لذلك، فما لكم توسعون المغفرة لكم في ترك ما أخذ عليكم به الميثاق الخاص وقد ضيقتموها على غيركم في ترك ما أخذ عليهم به الميثاق العام؟ ما ذلك إلا مجرد هوى، فإن قلتم: الأمر في أصل التوحيد أعظم فلا يقاس عليه، قيل لكم؛ أليس المعبود قد حرم الجميع؟ وعلى التنزل فمن المسطور في كتابكم أمر بلعام وأنه ضل، وقد كان أعظم من أحباركم، فإنا آتيناه الآيات من غير واسطة رسول، وكان سبب هلاكه- كما تعلمون- وخروجه من ربقة الدين وإحلاله دمه مشورته على ملك زمانه بأن يرسل النساء إلى عسكر بني إسرائيل متزينات غير ممتنعات ممن أرادهن، وذلك من الفروع التي هي أخف من باب الأموال، فقد بحتم كذبكم في قولكم {سيغفر لنا} وأنكم لم تتبعوا فيه إلا الهوى كما تبعه بلعام فانظروا ما فعل به. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قال ابن عباس وابن مسعود ومجاهد رحمهم الله: نزلت هذه الآية في بلعم بن باعوراء، وذلك لأن موسى عليه السلام قصد بلده الذي هو فيه، وغزا أهله وكانوا كفارًا، فطلبوا منه أن يدعو على موسى عليه السلام وقومه، وكان مجاب الدعوة، وعنده اسم الله الأعظم فامتنع منه، فما زالوا يطلبونه منه حتى دعا عليه فاستجيب له ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بدعائه، فقال موسى: يا رب بأي ذنب وقعنا في التيه.
فقال: بدعاء بلعم.